الأحد، 29 مارس 2009

نقد - محمد علوش

مع كاظم ابراهيم في "وشوشات الزيتون"
بقلم: محمد علوش
خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا استطاع كاظم ابراهيم ان يثبت حضوره على درجة عالية من الإرادة والتصميم متكئا على روافع الإبداع وقد تمكن من تحقيق ذاته من خلال النص الخاص الذي من قراءتك الأولى له تدرك انه كاظم ابراهيم ."وشوشات الزيتون" هو المولود الشعري الرابع للشاعر بعد مجموعاته "من حديقة القلب" -1994 و "من حديقة الوطن" وحديقة الروح
-1996 و "هنا في زمان أخر"-2000
شق الشاعر طريقه منذ البداية باحثا عن هويته مبلورا أفكاره ومدركا لهذه الغاية
مجسدا بالشعر حقيقة الأشياء ومسلطا الضوء على إنسانية الشعر والكلمة منحازا إليها وينطبق على كاظم ابراهيم قول المرحوم د. شاكر مصطفى يكتب على سجيته ومن خلال تكوينه
النفسي تماما كما يسير ويتنفس على السجية ضمن آليته الفيزيولوجية انه يطرح نصوصه دون تأنف يفرغ نفسه وروحة على الورق.
ولندخل في قضية العنوان –عنوان المجموعة- "وشوشات الزيتون" وكما هو معروف فان للعنوان الأدبي جماليته الخاصة وفلسفته القائمة على "سيموطيقا" التواصل مع نصه من جهة ومع مستقبلات المتلقي من جهة أخرى وقد أضحى العنوان بنية ضاغطة ومركزية من البنيات الأسلوبية المؤلفة لهيكل النص وهيأته ونظامه.
الأمر مع "وشوشات الزيتون" يختلف فلم نجد أي ذكر للوشوشات أو للزيتون في المجموعة
وليس هناك رابط بين العنوان ونصوص المجموعة وقد أراد الشاعر ربما من هذه الغرائبية ان يغلف مجموعته برمزية مقصودة وان يلبس كتابة ثوبا بهيا معبرا وصادقا ومعظم قصائده فيها إشارات للأرض والوطن والمكان.
تشمل المجموعة عددا من القصائد والاجتراحات المتفاوتة في موضوعاتها وصياغاتها ومقاصدها
ولكن الظاهر أنها تدور حول ذاتية الشاعر وعلاقاتها ومشكلاتها وهناك نظرات أخرى لجوانب أخرى تتصدرها الحالة الفلسطينية وما فيها من آلام وآمال إضافة لقضايا الوجود
وصراع البقاء والهوية مع التركيز أيضا على الموضوع العاطفي وما فيه من حب ونشوة وانكسارات وإخفاقات كلها بتراكمات نفسية وقد صاغها الشاعر بأسلوب رومانسي غنائي حالم وشفاف يهدي الشاعر ديوانه كما جاء في مدخلة لروح أبيه الذي مات ولم يعرف بكتاباته والى روح أمه التي فرحت بكتب ابنها وما كتب والى رفيقة دربه التي تطيق هواياته خلافا لزوجات الكتاب عادة والى ابنته سلمى وسما شعلتين في طريقه
وبما أن "هم الشاعر هم كلي" فإننا نرى تداخلات وتمازجا بين خصوصيات الشاعر وخطاب العام نراه يحس ويشعر بالكل حتى وهو يناقش ذاته.
الشاعر شعب أو أكثر
يربطه بالشعب هوى وعذابات وضياع (ص13).
وغيرها الكثير من الحالات التي لو أردنا تسجيلها لطال الكلام:
أقوم لأحرق الأحزان حتى المنتهى
فاليوم يصدح شاعر عاشق الربى. (ص11).
لست أنا السراب
انتمائي يجيبك كيف العذاب
أهل بيتي هناك
بيت أهلي هنا
وأنا لا أزال هناك. (ص23-24).
هذه وغيرها من الوجهات يمكن العودة إليها في صفحات الكتاب الطافح
بالحالات المفعمة بالخصوصية الخاصة والعامة معا وتأتي معظم النصوص
هنا مترصدة حالات الأحزان والشجون الجياشة والعواطف المترعة وتداعيات
الفلسفة وشاعرنا دائما يبني قصائده على نفس فلسفي ونراه مسكونا بروح الفلسفة وتجلياتها
ولا يخلو الديوان من بعض مواطن الضعف إذ أن هناك تقريرية ووضوحا وهذا لا يتيح للنصوص كي تتنفس حريتها وتنعتق وتنمو نموا طبيعيا بعيدا عن التصنع حينا والكلاشيهات احيانا
أخرى وهذه الملاحظة لا تنقص من قيمة وجمالية وامتياز شاعرية هذا الشاعر ومجموعته وما هي إلا ملاحظه يتقبلها الشاعر ونقبلها أيضا.
هذا الشاعر الذي يعاني مع شعبه واقع القهر والمأساة لا نجد لديه يأسا وسودائية بل نراه مؤمنا
بحافز التغيير والانقلاب متحفا بالأمل ومتوهجا بنبض الحياة كما في العديد من قصائده يستنبط الأمور بتلقائية يركز على العادي واليومي مدركا أن هذا الشعر هو الأقرب إلى قلوب الناس
إذ يحكي عنهم ولهم وهو بهذا يؤسس لشعرية خاصة تنبع من عمق وجهد وهو حين يكتب عن الأمور البسيطة إنما يكتب من اجل المناقشة ولفت النظر لأمور يجهلها من يبتغي جهلها,يكتب عن مسائل الحياة اليومية ليس بصفته مسئولا عن يوميات ما ،بل من باب المشاركة الوجدانية التي تفرضها ثقافته ومواقفه المسبقة.
هناك حنين يتجدد وآمال تعانق مقلة الشاعر في زمن تغافله به الدموع في بلد المسافات حيث يعود إلى مرابعه: نحن إلى فطائر أمنا ونشيدها الآتي
على فرس البدايات وغايتها حياة صوب أعيننا سعادات النهايات
نعود إلى مواجعنا (ص36).
وفي قصيدة (من يحمل اكياسي) ص 37-38-39 يجسد الشاعر معناه
ويدخل معمعة التراكمات والهبوط باسلوب فني متوتر وحاشد بالمفاهيم
والقيم الثورية التغييرية, وارى إن هذه القصيدة من القصائد المهمة والرائعة في المجموعة
إذ تزدحم فيها الصور والمعاني والأفكار إضافة إلى أنها تشريح لظواهر
اجتماعية وسياسية بطريقة نقدية بين الدرامية والساخرة:
بين خروجي وصعودي
أتفكر كي أتذكر
أني مولود بين الجهل وبين العلم
وبالقرب من الثورة
يحصدها من لا يزرع (ص70).
تدعوني عيناك لأنساني
كيف سانساني
من يحمل أكياسي؟ (ص71).
ويواصل الشاعر, ويتواصل في صفاء النفس والروح والخاطرة متجليا بصوفية ممزوجة بتوجساته,
وهذه المرة متبعا أسلوب الشعر العمودي: في صفاء كالعيون الراضيات
مجد المحزون رب الكائنات
يا الهي أنت أدرى بالطريق
أنت أدرى بالذي بعد الحياة (ص2).
وبعد فهذه المجموعة الشعرية الرابعة لكاظم ابراهيم تتدفق بروح النقد
والتشاؤل,وقد أحسن شاعرنا إذ وجهها على شكل رسائل تحمل عبق الزمان والمكان, والانا والآخروالخاص والعام .تدخل النفوس والقلوب دون استئذان لما فيها من صدق يصل حد المعاش الآني, وهو ما يطمح إليه القارئ.

نقد - داليا بشارة


نزهة في حديقة القلب
بقلم: داليه بشاره
عبر"الجو الرومانسي" لحديقة قلبه يحاول كاظم ابراهيم مواسي"الشاعر الشاب"
الرقيق المرهف في كلماته أن يسبر أغوار العاطفة الإنسانية وسهمه لا يخطئ الهدف فغنائياته وبكائياته تتدرج في العاطفة المباشرة والحب العذري ولا تتعداهما هكذا قدم موفق خوري ــ مدير دائرة الثقافة العربية من " حديقة القلب" الديوان الأول للشاعر كاظم ابراهيم هذه الكلمات تعكس حقاً فحوى حديقة القلب.
فكاظم ابراهيم يتجلى عاشقاً يعيش في عالم من نسجه في قصيدة "بداية النهاية" التي تحتل أول صفحه من الديوان والتي كان حري به أن يسميها بداية البداية ــ لو انه اخذ برأيي في هذه القصيدة.
يحاول تعريف تلك العاطفة السامية ويسبر أغوارها كما حلل موفق خوري فهو يقول: قد يكون الحب فينا مثل أحلام سعيدة ويكون الحب عطراً في ثنايا كل وردة والأغاني في هوانا مثل در في قلادة (ص3) إذا هل هذا الحب عطر, حلم, أو در في قلادة, لم يقتصر على تعريف واحد
ولكن كل محاولات التعريف هذه تكشف جوهر الحب كما يقصده الشاعر.لذلك فهو يعلن من الصفحة الأولى: فالهوى يحيى الأغاني بهذا يوحد الشاعر الهوى والأغاني أي الحب والشعر بلا قابليه للانفصال ــ يعلن هذه الوحدة منذ البداية ويطبقها على مدى قصائده الباقية, فكل قصيدة هي احتفاء بهذا الرباط بين الشعر والعاطفة. حول هذا الرباط ينسج الشاعر عالمه المرهف بالأماني والأحلام في قصيدة " حب تحت المطر" يتمنى "لو كان بإمكاني أن أحفظ قلبك في صدري أو أن ازرع في صدرك قلبي لملكت جناناً في الأرض وفي البحر" (ص6) على الأقل يريد جنانه في الأرض أو البحر وليس في السماء مما يبقى نفحه من الواقعية في هذا العالم المحلق.
ويعترف فيما بعد بقوه فاني مبلول أو محروق لست أبالي.....
إذا من هي تلك التي "بعد دقائق من رؤياها تتقرب الأحلام من الواقع"
من هذه الحواء التي تشاطر فردوسه تلك "الحياة الدنيا" الإلهة التي "تميت الموت" والتي يعدها بكل ثقة أن "لا تخافي يا فتاتي" فكلام الحب إيناع الزهور...
حاولت أن ابحث عن ملامح وهوية لهذه الحبيبة المتغنى بها فقرأت أن "البحر بعينيها" وان جدائلها الشقراء تموج"
هكذا خارجية من خيال الشاعر الجامح ما عدا هذا فهي غير كائنة أو كائنة كمجرد تمثال رخامي ملون. في المرة الوحيدة التي ينطق فيها هذا التمثال يسأل صانعه: ما رأيك بعيوني..شعري..وخدودي
هكذا أرادها خيال الرجل : أن تكون لوحه جميله تدخل البهجة إلى قلبه وليس أعمق من هذا !
وهل حبه لها عذري كما ادعى موفق خوري في المقدمة؟! لم أكن واثقة من هذا بعد أن قرأت "احبك جسماً, رصاصه (ص33) إذا قد لا تكون هذه المرأة إنسانا
حقيقياً... هل تكون إذا الوطن؟!!
ممكن إذا أن نقول أن حديقة القلب هي فلسطين ممثله بالحبيبة الحلوة, فهو يناديها
"أنت الصبغة الحمراء في علمي ووجه الناس في بلدي" (ص9).
ويصف وجهها "وشعاعاً احمر ينبعث من الوطن الشاسع من خديها" (ص21) ويهتف
بها موضوع اخر:
طلي علينا يا منى إنا شباب حاميه خير الشباب يفتدى ارض الجدود الغالية" (ص16).
يعدها بالخلاص إذا حديقة قلبه ــ المسماة فلسطين ويغار عليها من المغتصبين: يناجيها: احبك,ولست اعرف كيف كنت أغار وجيش الغاضبين هنا مساء نهار (ص22) لكن ليس بعد ,
حتى بعد القراءة الثانية للقصائد لم تكشف هذه الحبيبة كامل اللثام عن وجهها, فأعدت القراءة للمرة الثالثة ومن البداية: "في بداية النهاية" قصيدة الافتتاحية يقول الشاعر : لست ادري كيف أشدو في أغانينا الجديدة.
(ص3) للوهلة الأولى قد يبدو هذا تواضعاً أو عدم يقين ــ لكن بعد التوغل قليلاً في القصيدة
يتبين أن هذا التواضع كاذب, ففي بيت لاحق يقول كاظم بكل ثقة:
سوف أشدو يا حبيب واغني كل شعري.
وهكذا يتبع هذا البيت بخمسين صفه يملؤها بأغانيه وشجونه ــ وبدون أي تردد أو تواضع!
لكن هناك ثمة شيء يقلقه لأنه ببعض من ارتياب يقول: إنني اليوم اغني حب قلبي وسروري رب يوم سوف يأتي دون شدوي وحضوري (ص4) ما يقلقه على ما يبدو أن يأتي يوم يكف فيه عن الوجود, أي أن يأتي يوم تموت فيه ذكراه. شاعرنا إذا يريد الخلود وكيف يضمن لنفسه هذا الخلود؟!!
عن طريق الشعر طبعاً ــ الشعر الذي يضع فيه ذاته ويحفظه في كتاب قد يحقق بقاءاً
هو نفسه كبشر غير قادر عليه.
لذلك يمكن الاستنتاج أن شاعرنا إنما يتغنى بشعره ــ وكيانه كشاعر, وبهذا حبيبته ما هي إلا ملكة الشعر التي تسكنه هي فقط ستمنحه الخلود والمجد. لا عجب إذا انه يخاطبها "يا حبي الأول وربيعي يا زهرة مجدي" (ص12) ومن تكون زهرة مجده غير قصائده التي بها " سيحتل البحر بوقفه" ويتلائم في وجد مع الوادي هي أبناؤه الذين ينمون معه, هم نتاج زواجه من ملكة الشعر: ويدها تمسك بيدي يتعلم رسم البحر الهائج حتى يرضيني مجدي" (ص14) هي إذا روح الشاعر التي يجسدها مناجياً : أحببت فيك صبابتي (ص20) ويقول عنها "إن لساني يخاطب روحي فيها" هي وحدها وجوده,لأنه بدونها يكف عن كونه شاعراً لها وحدها يعيد "مثل الوجود أنت حبيبتي وليس لي مثل الوجود إحساس هنا جسم وظل فوق هذي الأرض اثنان هما.. وكلاهما أنا (ص25) يعترف أن كل ما في هذه القصائد إنما هو أو امتداد له "احبك" يقول لها والحب يطرب كالناي
قلبي يقصد وشعره يطرب كالناي قلبه. هي إلهامه ووحيه "تجيء ليلة حزينة وتقرأ الرؤى عيونها"
(ص41) لذلك كي لا يتهم الشاعر بعشقه لنفسه بطريقة مباشره جسد وحيه الشعري امرأة يتغنى بها ويغازلها وهو بالأحرى يعشق شعره الذي سيمنحه الخلود ويحتفى في حديقة قلبه بنرجسيته كفنان!
بل أكثر من هذا ــ انه يرفع ملكة الشعر إلى مصاف الآلهة وحديقته إلى مصاف الجنة ويعتبر حبه وشعره ديانة وهو النبي الذي يبشر بهذه الديانة الجديدة ديانة حب الشعر وحب الذات في إحدى أغنياته يقول: أغاني الحب دين بين أديان الشعوب"
(ص5) ويقول عن نفسه " ضعت في أفياء الشجرة كل نبي عاش مع الناس مات بحب الشهرة"
كاظم ابراهيم يبدأ كعاشق وينتهي كنبي ــ ولكنه حتماً لا يريد الموت بحب الشهرة, بين هذه وهذه يبقى شاعراً مرهفاً رقيقاً تبث قصائده نشوة خاصة ومتعة خاصة تبقى حتى بعد أن تنتهي القراءة.

السبت، 28 مارس 2009

نقد - نبيل عودة

زمان كاظم إبراهيم الشعري
بقلم:نبيل عودة
ديوان ((هنا في زمان آخر)) صدر بدعم دائرة الثقافة العربية سنه 2000.
ما شدني بالأساس في ديوان كاظم إبراهيم هو عنوانه العابق بالحلم الشعري:
ويفسر في مقدمته, أن زمننا, هو الزمان الآخر للشعر حيث أن زمان الشعر كان في الجاهلية,
حيث علقت المعلقات على صدر الكعبة, وكان سوق عكاظ محجاً لمحبي الشعر ومكاننا لم يختلف.
ولكن بشرحه هذا قتل الحلم الشعري بالعنوان, بتحديده النهائي والقاطع للمعنى, وإذا استعملنا التعابير الدارجة في الإعلام اليوم فقد وضع ((طوقا)) حول المعنى وأغلق ((منافذ)) الحلم , قبل أن نبدأ بقراءة النصوص وبذلك يحرمنا من ((الانطلاق)) مع الحلم الشعري.
ومع ذلك كاظم ابراهيم من الأسماء المثابرة والجادة والقلقة.
مثابر في كتابته الشعرية, وجاد في نصوصه, وقلق لتطوير مبنى قصائده. وكما يقول في قصيدته ((امريكا)) وكأني به يستعير اسم الأرض ويحوله لاسم حركي للشعر:
الأرض جبال نصعدها والأرض سهول نزرعها
والأرض مراع والأرض صحاري فلماذا الموت
وهو يؤكد ذلك أكثر بما يقوله في قصيدته ((تواجد)):
الشعر حين غاب عني غابت الأحلام من مرأى العيون
وطل موج حائر في بحر أحزاني يجول
ويواصل كاظم تقديم التقارير عن العلاقة الوثقى بينه وبين الشعر, موضحاً أن الشعر
هو اللغة التي يقول عبرها ما يريد, ولكن:
لا بد من فرح لكي أترنم لا بد من قدر لكي أتألم
لا بد منك لكي تعودي فرادتي
قصيدة((حتمية))
قصيدته ((أسف)) شدتني هذه القصيدة- البرقية, ولكنه لم يقنعني بنهايتها, يقول:
تأسفت جدا
لأني رفضت التجول يوما
برفقة غادة
تأسفت جدا. وصار التأسف عندي سلوكاً وعادة؟)).
السطر الأخير يهدم جمال القصيدة, يغرق النص بتشاؤم وسوداوية, وينقل هذه القصيدة- البرقية القصيرة من الحلم الجميل الذي توقعته مع سطريها الأولين, إلى مجرد خبر, قد ينفع الخبر
بالنص القصصي إذا أحسن القصاص صياغته, ولكنه في الشعر يشبه العبوة الناسفة. ويكفينا ما في حياتنا من عبوات ناسفه.
فأنت تقول بالقصيدة قبلها ((لابد منك..لتعود فرادتي)) أم نسيت؟!
وقد حان الوقت لنكف عن التأسف. حان الوقت لنتحول إلى شعب لا يتأسف كل صباح وكل مساء. وإذا لم نفعل ذلك بأدبنا, كبدايه..
فيا ويلنا. سنموت ولا ننهي ما يطلب منا من تأسفات, ولا تورط الشعر ((بالأخلاق الحسنه))
حتى لا يفقد جذوته.
ما لفت انتباهي في ديوان كاظم ابراهيم, هو عدم ركض صاحبه وراء إغراء التطويل, فهو يحاول أن يبني فكرة قصيدته باقتضاب, وبأشد اقتضاب إذا أمكن, وهو يخدم بذلك نصه الشعري, ويحافظ على قدرته بالسيطرة على المضمون, وعدم تفتيت الحلم الشعري والمضمون على مساحة واسعة من الورق الكلمات. وأقول بصراحة إني تقريبا لا انهي أي قصيدة طويلة مما ينشر إذا فقدت الجذوة التي تجعلني أعيش مع النص وتقريبا وربما يزعل البعض, لا أجد مثل تلك القصائد رغم أنها تحتل أحيانا صفحه كاملة من صفحات الصحف الأدبية.
وقد تكون قصائد كاظم (البرقية) نموذجاًً جيداً.
ولا زلت اذكر حتى اليوم قصيدة لسالم جبران تقول:
((كما تحب الأم طفلها المشوه أحبها حبيبتي بلادي)).
ولا زلت اعتبر هذه القصيدة من أجمل ما كتب عندنا!!!
كاظم بذلك يتصرف بصدق مع نفسه ومع شعره, وهناك مقاطع جميله (قصائد): في ((هروب أمل)) يقول:
تكابرين وأنت صخر لا يلين فما أردت منك حباً إنما شاء الزمان لي أن ألتقيك ماء
ليس يروي صرخة ليست تعين.
قصائد الديوان تتوزع بين الغزل والقصائد الوطنية, وهو أن الغزل يأخذ معظم مساحة الديوان.
ولكن يبدو أن غزلنا فيه شيء من الوطنية أيضا ففي تعابير الحب أحيانا تتسرب تعابير من السياسة
ومن القتال, وهذا الأمر ليس جديداً في شعرنا,فعنترة سبقنا حين قال((وددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المبتسم)).
لغة كاظم ابراهيم الشعرية غير مركبه وتنساب قراءة وفكرته دون جهد وهو واضح الصورة دائماً
ولا يبحث عن الإغراب في النص ليثبت أن لديه من الشاعرية أكثر مما يستطيع النص أن ينقل
للقارئ. يأخذ مواضيعه بانسيابها ولا يدفعها لقمة الجبل, ليدحرجها مثل كرة الثلج, التي مهما تضخمت يبقى مضمونها واحداً.
للأسف لا دواوين سابقه لدي, لاستطيع أن التمس الطريق التي اجتازها كاظم, وإنما اعتماداً على الذاكرة مما قرأت واقرأ له بصحافتنا. استطيع أن أقول, أن كاظم يتعامل مع الشعر بمسؤولية
ويدأب على تطوير أدواته ولغته بحذر, ولكن بتواصل.
يشمل الديوان بعض القصائد المكتوبة بالأسلوب الكلاسيكي (العمودي) ولكني, وأقول ذلك كملاحظة فقط, لاحظت انه يضطر أحيانا كغيره من شعراء الشعر العمودي لحشر كلمات كل ما تعطيه هو موسقة للقصيدة فقط, ومع ذلك ففي القصائد العمودية مقاطع جميلة.
وربما بسبب محافظة كاظم ابراهيم على حجم قصيدة يتمشى مع قدراته, ولا يتجاوز المساحات لمجرد إثبات ((فحولته)) الشعرية, نجد إن مبنى القصيدة عنده أكثر اكتمالاً مما نعرفه من شعرنا الحديث ــ القصد ما يكتب من شعر حديث من هنا ديوانه الشعري, يقع حقاً في منطقة الشعر الجغرافية, ولا يقع في باب الألغاز. وأنا لم أحاول أن أتعرض لبعض المقاطع التي اعتقد انه كان باستطاعته أن يعطيها نبضاً شعرياً أكثر حرارة, إنما حاولت أن أعطي فكرة عن شاعر جاد وديوان جاد.
(الناصرة)

الثلاثاء، 24 مارس 2009

حديث الى الشمس

حديث إلى الشمس


لا تغيبي عن عيوني
يا حياتي ومنوني

إنني حقاً أعاني
من حماقات السنين

لست وحدي في العناء
دولٌ نحن نعاني

في صباحي ومسائي
لا تغيبي عن عيوني

أنت عندي نور دربي
وضياء النور ديني

عدل أيامي خجولٌ
أنت ردٌ للظنون

شمسُنا أنت الأمانُ
أسعفيني كل حين

إنني حقاً أعاني
من غباوات القرون

الأحد، 15 مارس 2009

أبعاد

أبعاد
كاظم ابراهيم مواسي
من عاش سيفرح
من عاش سيحزن
من سار سيربح
من سار سيخسر
هكذا هي دنيانا
--
الأصالة أن تهوى من يهواك
السذاجة أن تهوى كل الناس
هكذا هو منحانا
--
من كان جميلاً..
لا يدرك إحساس الجهلاء
من كان جهولاً..
لا يدرك أحلام العقلاء
ما أسهل معنانا
--
البلاد تجيء إلى الشهم ِ
البلاد ستهرب حين يجيء الأنذال
ما أصعب منفانا

السبت، 14 مارس 2009

نقد بقلم شاكر فريد حسن

نظرات في شعر كاظم ابراهيم
قراءة في ديوانه"هنا ,في زمن اخر"
بقلم شاكر فريد حسن
كاظم ابراهيم من الاسماء الشعرية في نهر الادب الشبابي الفلسطيني المتدفق استطاع ان
يشق طريقة ويرسخ اقدامه ويثبت حضورة في حركتنا الادبية المحلية
بتجاربه الشعريه ومقالاته الادبية.
وهوا غزير الانتاج والعطاء والنشر, وقد صدرت له حتى الان 3 مجموعات شعريه هي "من حديقة القلب" (1994) ومن "حديقة الوطن وحديقة الروح" (1996), و"هنا في زمان اخر"(2000)
يلاحظ القارئ لقصائد كاظم بأنها تأملات في الحياة والطبيعة وتعالج تجاربه
الحياتية التي عانى من قسوتها وسبح فيها,ويلمس انه شديد الاحساس بالطبيعة,عميق الحب لها والاتصال الوثيق بها, يحيا في عالم من الشموس
والاقمار والازهار والالحان والطيوب ويثبت الطبيعة امال قلبة والامه والاشواق نفسه
وروحه وحيرته وحزنه وقلقه وتاملاته الوجودية.فلنسمعه كيف يسائل
ربه:

اسائل من رواني بالحياة لماذا المر يحلو في بلادي
اسائله كثيراً عن همومي وانساه اذا جادت جيادي
انا لوز تساقط في الربيع قضيت العقد اكبو من عنادي
انا نار وتشغل كل شر بصحن الدار اصبح كالرماد(ص17)

وهوا في قصائدة كثير التساؤل والحيرة والشكوى والآلم.ففي عيد ميلادة" التاسع والثلاثون"
يكتب عن حزنه وبكائه ونواحه ويتساءل لماذا يغني؟
ويجيب:

اغني,اغني,بعيد الكيان/سنون تمادت,كعض الذئاب/وجاء شتاء يبشر خيراً/وهل في الشتاء احب سمائي؟/ادير الكلام؟/اشد المعاني/الهي!دوائي!/بقوة عقل اعيش الثواني/واكل قمح الاغاني(ص38-39).

اما في قصيدة "سؤال"فيتفجر غضباً ويعلنها ملء فمه ان صورة لا تملآ
الجدران وشعرة لا يقنع الا الانسان الساذج البسيط وانه يكتب لكي يتخلص ويشفى من داء "البيروقراطيا" الذي ينخر في جسد المجتمع ومؤسساته...
فيقول:

ماذا يعرف عني؟؟؟/صوري لا تملآ عرض الجدران/شعري لا يقنع الا المسكين/ رأسي مملوء
بالرغبة ان افرح/بطني ليس مهما لو اقترح/عيني ترغب ان تشق من يكرمني/ويدي تكتب كي تشفيني/من داء البيروقراطيا الملعون (ص44-45).


ويعيش كاظم معاناة شعبه وهمومه واوضاعه البائسه,فيترجم مشاعره ذات الابعاد الانسانيه والروح الرومانسيه ويؤلمه ما ال اليه وضع مسجد حسن بيك
الثابت والراسخ على الساحل الفلسطيني في يافا العربيه الذي تحاول السلطه
تحويله الى خمارة مثلما فعلوا بالعديد من المساجد وأماكن العبادة:


وحيداً ايها الحسن/تناطح الف سائحة وناطحة/وتختزن الاسى والحزن لا تهن/فانت عروبتي المقهورة الوثن/ووجه الحاكم العربي دون كرامة دمه/اجئ اليك معتقداً بان الآمس كان لنا/ومقتنعاً بان اليوم ليس لنا/ومؤتملآ بذي الغد ان يكون لنا(ص69).


ويعلن حبه لبلاده في قصيدة"بلادي" فيشدو لآرضها وترابها وناسها وبناتها
قائلآ:
كلما اخضرت روابينا شرعنا نحمد الله على ارض حبها
فبلادي رغم سوء الحال عندي قدس اقداس وجنات رباها
خير ما في الكون حب وبلادي الحب في قلب فتاها (ص93).


وتطغى "الانا" على قصائد كاظم ابراهيم وهو يكتب قصيدة يحكي فيها عن نفسه "ابو سلمى"
وهو اسم طفلته البكر, وبذالك يحذو حذو شقيقه
د.فاروق مواسي الذي كتب كذالك قصيدة عن نفسه تقول كاظم:


انا وان مل الزمان نشيدنا نشدو وننشد دائماً اشعارنا
قد قال نرجع سالمين لآرضنا والعندليب هناك ردد شدونا
سلمى ابوها مبدع وعزيزها وطن عليه الحب دين الهنا
يا ربنا! يا رب احلام الصبا ضع في عيونك اهلنا وبلادنا (ص102).


واذا كان الشيء بالشي ء يذكر فلا بد من التنويه والتذكير ان فاروقاً نشر قصيدة"رفيقي" التي تتحدث
عن رفيقة دربه وام اطفاله"ام السيد" واعتبرها خطوة هامه ولبنة اولى في هذا المجال,وكاظم يفعل الشئ نفسه,فيخصص الكثير من ابيات قصيدتة لمخاطبة زوجته:ام سلمى" التي وقفت الى جانبه في السراء والضراء, في الاحزان والافراح,في الضيق والكرب والفرج يقول:


يا ام سلمى انني اصبو العلا ردي الي حرارة الايمان
اني احب العيش طفلاً ضاحكاً هل خصني الرحمن بالآحزان
من حولنا شعب فقير حالم ما جرمنا في دورة الازمان
اولى بمن طلب العلا نيل الشقا وانا تعبت وحان قطف جناني(ص95).


وكاظم معجب ومتاثر بشعراء المهجر الرومانسيين وفي طليعتهم جبران خليل جبران, واننا نحس بتجاوبه العميق مع النفس والتدفق الجبراني وخيالاته عن عاطفة حارة جياشة واعجاب عميق بشاعر"النبي" و "اعطني الناي وغني"
وهو يضمن قصائده ابياتاً لشعراء عرب وفلسطينيين,كقوله في قصيدة "اشجان"

يا اخت سلمى في غناك عذوبة يبكي ويغرق دمعها احزاني

وهوذا البيت لشاعر عربي.
وقوله في قصيدة "عاصفتي" : "هذا اللون عليك يجنن" وهو مأخوذ من اغنيه عراقيه.
وايضاً, قوله في "طريق وسفر" وتعبير "عيناك غابتنا نخيل" من قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل راشد حسين.
وفي نصوصه الشعرية نجد احياناً الموسيقى والعاطفة والخيال والرمز الشفاف, اما على صعيد الشكل الفني فانه يزوج بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة, ويمارس هذين النمطين من الكتابه استجابة للحظة الوجدانية والتجربة المعاشة.
ان كاظم ابراهيم مهموم بالقصائد ومنشغل بها ويحاول ان يفض اسرارها ليتوحد بها., وهو صوت شعري سيكون له تميزه بين ابناء جيله من الشعراء الشباب.
(مصمص).

الاثنين، 9 مارس 2009

قدري

قدري
لروح أبي في ذكراه الخامسة والعشرين

أنتهي الآن من رقصة القدر ِ
لست أعرف ما قدري
ما الذي كان من باعهم
ما الذي كان من شططي
ما الذي كان ربي قضى
ما جناه لنا والدي
وأبي كان كالخير والكرم ِ
عينه شاد لي دربي
كان لي قدر
كان لي قدري
والأمور التي لا أعي
وعيها كان من خططي
والأغاني التي أستقي
درّها من عطايا أبي
***
أبي كان شيخاً حراً
يقنع في الحبّ
وبعض الخبز ِ
ويشرب من قهوته المارّون

الأحد، 1 مارس 2009

نضال

نضال
شعر: كاظم ابراهيم مواسي

الشعر يبدأ مثلما بدأ الكلام
بلا مقدمة
يرتبها عريف الاحتفال
لا بُعد يلحق قولنا
ونعود من غضب السؤال
لمشكلاتٍ في السؤال
هذا المناضل يستعيد حياته
يتحسس الحرية الأولى
ويكمل في النضال
ذاك المحارب
أوقفوا شهقاته
أخذوا رصاصته
فأركن للظلال
ذاك الشهيد وما درى
زغرودة لحقت به
لمدينة
فرسانها خير الرجال



http://kazemmawassi.maktoobblog.com