الأحد، 29 مارس 2009

نقد - داليا بشارة


نزهة في حديقة القلب
بقلم: داليه بشاره
عبر"الجو الرومانسي" لحديقة قلبه يحاول كاظم ابراهيم مواسي"الشاعر الشاب"
الرقيق المرهف في كلماته أن يسبر أغوار العاطفة الإنسانية وسهمه لا يخطئ الهدف فغنائياته وبكائياته تتدرج في العاطفة المباشرة والحب العذري ولا تتعداهما هكذا قدم موفق خوري ــ مدير دائرة الثقافة العربية من " حديقة القلب" الديوان الأول للشاعر كاظم ابراهيم هذه الكلمات تعكس حقاً فحوى حديقة القلب.
فكاظم ابراهيم يتجلى عاشقاً يعيش في عالم من نسجه في قصيدة "بداية النهاية" التي تحتل أول صفحه من الديوان والتي كان حري به أن يسميها بداية البداية ــ لو انه اخذ برأيي في هذه القصيدة.
يحاول تعريف تلك العاطفة السامية ويسبر أغوارها كما حلل موفق خوري فهو يقول: قد يكون الحب فينا مثل أحلام سعيدة ويكون الحب عطراً في ثنايا كل وردة والأغاني في هوانا مثل در في قلادة (ص3) إذا هل هذا الحب عطر, حلم, أو در في قلادة, لم يقتصر على تعريف واحد
ولكن كل محاولات التعريف هذه تكشف جوهر الحب كما يقصده الشاعر.لذلك فهو يعلن من الصفحة الأولى: فالهوى يحيى الأغاني بهذا يوحد الشاعر الهوى والأغاني أي الحب والشعر بلا قابليه للانفصال ــ يعلن هذه الوحدة منذ البداية ويطبقها على مدى قصائده الباقية, فكل قصيدة هي احتفاء بهذا الرباط بين الشعر والعاطفة. حول هذا الرباط ينسج الشاعر عالمه المرهف بالأماني والأحلام في قصيدة " حب تحت المطر" يتمنى "لو كان بإمكاني أن أحفظ قلبك في صدري أو أن ازرع في صدرك قلبي لملكت جناناً في الأرض وفي البحر" (ص6) على الأقل يريد جنانه في الأرض أو البحر وليس في السماء مما يبقى نفحه من الواقعية في هذا العالم المحلق.
ويعترف فيما بعد بقوه فاني مبلول أو محروق لست أبالي.....
إذا من هي تلك التي "بعد دقائق من رؤياها تتقرب الأحلام من الواقع"
من هذه الحواء التي تشاطر فردوسه تلك "الحياة الدنيا" الإلهة التي "تميت الموت" والتي يعدها بكل ثقة أن "لا تخافي يا فتاتي" فكلام الحب إيناع الزهور...
حاولت أن ابحث عن ملامح وهوية لهذه الحبيبة المتغنى بها فقرأت أن "البحر بعينيها" وان جدائلها الشقراء تموج"
هكذا خارجية من خيال الشاعر الجامح ما عدا هذا فهي غير كائنة أو كائنة كمجرد تمثال رخامي ملون. في المرة الوحيدة التي ينطق فيها هذا التمثال يسأل صانعه: ما رأيك بعيوني..شعري..وخدودي
هكذا أرادها خيال الرجل : أن تكون لوحه جميله تدخل البهجة إلى قلبه وليس أعمق من هذا !
وهل حبه لها عذري كما ادعى موفق خوري في المقدمة؟! لم أكن واثقة من هذا بعد أن قرأت "احبك جسماً, رصاصه (ص33) إذا قد لا تكون هذه المرأة إنسانا
حقيقياً... هل تكون إذا الوطن؟!!
ممكن إذا أن نقول أن حديقة القلب هي فلسطين ممثله بالحبيبة الحلوة, فهو يناديها
"أنت الصبغة الحمراء في علمي ووجه الناس في بلدي" (ص9).
ويصف وجهها "وشعاعاً احمر ينبعث من الوطن الشاسع من خديها" (ص21) ويهتف
بها موضوع اخر:
طلي علينا يا منى إنا شباب حاميه خير الشباب يفتدى ارض الجدود الغالية" (ص16).
يعدها بالخلاص إذا حديقة قلبه ــ المسماة فلسطين ويغار عليها من المغتصبين: يناجيها: احبك,ولست اعرف كيف كنت أغار وجيش الغاضبين هنا مساء نهار (ص22) لكن ليس بعد ,
حتى بعد القراءة الثانية للقصائد لم تكشف هذه الحبيبة كامل اللثام عن وجهها, فأعدت القراءة للمرة الثالثة ومن البداية: "في بداية النهاية" قصيدة الافتتاحية يقول الشاعر : لست ادري كيف أشدو في أغانينا الجديدة.
(ص3) للوهلة الأولى قد يبدو هذا تواضعاً أو عدم يقين ــ لكن بعد التوغل قليلاً في القصيدة
يتبين أن هذا التواضع كاذب, ففي بيت لاحق يقول كاظم بكل ثقة:
سوف أشدو يا حبيب واغني كل شعري.
وهكذا يتبع هذا البيت بخمسين صفه يملؤها بأغانيه وشجونه ــ وبدون أي تردد أو تواضع!
لكن هناك ثمة شيء يقلقه لأنه ببعض من ارتياب يقول: إنني اليوم اغني حب قلبي وسروري رب يوم سوف يأتي دون شدوي وحضوري (ص4) ما يقلقه على ما يبدو أن يأتي يوم يكف فيه عن الوجود, أي أن يأتي يوم تموت فيه ذكراه. شاعرنا إذا يريد الخلود وكيف يضمن لنفسه هذا الخلود؟!!
عن طريق الشعر طبعاً ــ الشعر الذي يضع فيه ذاته ويحفظه في كتاب قد يحقق بقاءاً
هو نفسه كبشر غير قادر عليه.
لذلك يمكن الاستنتاج أن شاعرنا إنما يتغنى بشعره ــ وكيانه كشاعر, وبهذا حبيبته ما هي إلا ملكة الشعر التي تسكنه هي فقط ستمنحه الخلود والمجد. لا عجب إذا انه يخاطبها "يا حبي الأول وربيعي يا زهرة مجدي" (ص12) ومن تكون زهرة مجده غير قصائده التي بها " سيحتل البحر بوقفه" ويتلائم في وجد مع الوادي هي أبناؤه الذين ينمون معه, هم نتاج زواجه من ملكة الشعر: ويدها تمسك بيدي يتعلم رسم البحر الهائج حتى يرضيني مجدي" (ص14) هي إذا روح الشاعر التي يجسدها مناجياً : أحببت فيك صبابتي (ص20) ويقول عنها "إن لساني يخاطب روحي فيها" هي وحدها وجوده,لأنه بدونها يكف عن كونه شاعراً لها وحدها يعيد "مثل الوجود أنت حبيبتي وليس لي مثل الوجود إحساس هنا جسم وظل فوق هذي الأرض اثنان هما.. وكلاهما أنا (ص25) يعترف أن كل ما في هذه القصائد إنما هو أو امتداد له "احبك" يقول لها والحب يطرب كالناي
قلبي يقصد وشعره يطرب كالناي قلبه. هي إلهامه ووحيه "تجيء ليلة حزينة وتقرأ الرؤى عيونها"
(ص41) لذلك كي لا يتهم الشاعر بعشقه لنفسه بطريقة مباشره جسد وحيه الشعري امرأة يتغنى بها ويغازلها وهو بالأحرى يعشق شعره الذي سيمنحه الخلود ويحتفى في حديقة قلبه بنرجسيته كفنان!
بل أكثر من هذا ــ انه يرفع ملكة الشعر إلى مصاف الآلهة وحديقته إلى مصاف الجنة ويعتبر حبه وشعره ديانة وهو النبي الذي يبشر بهذه الديانة الجديدة ديانة حب الشعر وحب الذات في إحدى أغنياته يقول: أغاني الحب دين بين أديان الشعوب"
(ص5) ويقول عن نفسه " ضعت في أفياء الشجرة كل نبي عاش مع الناس مات بحب الشهرة"
كاظم ابراهيم يبدأ كعاشق وينتهي كنبي ــ ولكنه حتماً لا يريد الموت بحب الشهرة, بين هذه وهذه يبقى شاعراً مرهفاً رقيقاً تبث قصائده نشوة خاصة ومتعة خاصة تبقى حتى بعد أن تنتهي القراءة.

هناك تعليق واحد:

  1. أنا قبل بيوم واحد من قرائتي لنفد داليا بشارة على موقعك يا كاظم كنت قد قرأت كتابك من حدائق الروح و الوطن في مكتبة جامعتي ، بصراحة شديدة لديك احساس راقي بكل تفاصيله ، يالهي لامست تصورات تتكلمني و كنها تقول لي انت الذي كتب ، ما أروعك كاظم الشاعر ، كاظم الانسان ، كاظم الفتى المهذب ، و دمت بحب و امنياتي لك بالسعادة اللامتناهية لروحك الفاتنة

    ردحذف