الأحد، 29 مارس 2009

نقد - محمد علوش

مع كاظم ابراهيم في "وشوشات الزيتون"
بقلم: محمد علوش
خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا استطاع كاظم ابراهيم ان يثبت حضوره على درجة عالية من الإرادة والتصميم متكئا على روافع الإبداع وقد تمكن من تحقيق ذاته من خلال النص الخاص الذي من قراءتك الأولى له تدرك انه كاظم ابراهيم ."وشوشات الزيتون" هو المولود الشعري الرابع للشاعر بعد مجموعاته "من حديقة القلب" -1994 و "من حديقة الوطن" وحديقة الروح
-1996 و "هنا في زمان أخر"-2000
شق الشاعر طريقه منذ البداية باحثا عن هويته مبلورا أفكاره ومدركا لهذه الغاية
مجسدا بالشعر حقيقة الأشياء ومسلطا الضوء على إنسانية الشعر والكلمة منحازا إليها وينطبق على كاظم ابراهيم قول المرحوم د. شاكر مصطفى يكتب على سجيته ومن خلال تكوينه
النفسي تماما كما يسير ويتنفس على السجية ضمن آليته الفيزيولوجية انه يطرح نصوصه دون تأنف يفرغ نفسه وروحة على الورق.
ولندخل في قضية العنوان –عنوان المجموعة- "وشوشات الزيتون" وكما هو معروف فان للعنوان الأدبي جماليته الخاصة وفلسفته القائمة على "سيموطيقا" التواصل مع نصه من جهة ومع مستقبلات المتلقي من جهة أخرى وقد أضحى العنوان بنية ضاغطة ومركزية من البنيات الأسلوبية المؤلفة لهيكل النص وهيأته ونظامه.
الأمر مع "وشوشات الزيتون" يختلف فلم نجد أي ذكر للوشوشات أو للزيتون في المجموعة
وليس هناك رابط بين العنوان ونصوص المجموعة وقد أراد الشاعر ربما من هذه الغرائبية ان يغلف مجموعته برمزية مقصودة وان يلبس كتابة ثوبا بهيا معبرا وصادقا ومعظم قصائده فيها إشارات للأرض والوطن والمكان.
تشمل المجموعة عددا من القصائد والاجتراحات المتفاوتة في موضوعاتها وصياغاتها ومقاصدها
ولكن الظاهر أنها تدور حول ذاتية الشاعر وعلاقاتها ومشكلاتها وهناك نظرات أخرى لجوانب أخرى تتصدرها الحالة الفلسطينية وما فيها من آلام وآمال إضافة لقضايا الوجود
وصراع البقاء والهوية مع التركيز أيضا على الموضوع العاطفي وما فيه من حب ونشوة وانكسارات وإخفاقات كلها بتراكمات نفسية وقد صاغها الشاعر بأسلوب رومانسي غنائي حالم وشفاف يهدي الشاعر ديوانه كما جاء في مدخلة لروح أبيه الذي مات ولم يعرف بكتاباته والى روح أمه التي فرحت بكتب ابنها وما كتب والى رفيقة دربه التي تطيق هواياته خلافا لزوجات الكتاب عادة والى ابنته سلمى وسما شعلتين في طريقه
وبما أن "هم الشاعر هم كلي" فإننا نرى تداخلات وتمازجا بين خصوصيات الشاعر وخطاب العام نراه يحس ويشعر بالكل حتى وهو يناقش ذاته.
الشاعر شعب أو أكثر
يربطه بالشعب هوى وعذابات وضياع (ص13).
وغيرها الكثير من الحالات التي لو أردنا تسجيلها لطال الكلام:
أقوم لأحرق الأحزان حتى المنتهى
فاليوم يصدح شاعر عاشق الربى. (ص11).
لست أنا السراب
انتمائي يجيبك كيف العذاب
أهل بيتي هناك
بيت أهلي هنا
وأنا لا أزال هناك. (ص23-24).
هذه وغيرها من الوجهات يمكن العودة إليها في صفحات الكتاب الطافح
بالحالات المفعمة بالخصوصية الخاصة والعامة معا وتأتي معظم النصوص
هنا مترصدة حالات الأحزان والشجون الجياشة والعواطف المترعة وتداعيات
الفلسفة وشاعرنا دائما يبني قصائده على نفس فلسفي ونراه مسكونا بروح الفلسفة وتجلياتها
ولا يخلو الديوان من بعض مواطن الضعف إذ أن هناك تقريرية ووضوحا وهذا لا يتيح للنصوص كي تتنفس حريتها وتنعتق وتنمو نموا طبيعيا بعيدا عن التصنع حينا والكلاشيهات احيانا
أخرى وهذه الملاحظة لا تنقص من قيمة وجمالية وامتياز شاعرية هذا الشاعر ومجموعته وما هي إلا ملاحظه يتقبلها الشاعر ونقبلها أيضا.
هذا الشاعر الذي يعاني مع شعبه واقع القهر والمأساة لا نجد لديه يأسا وسودائية بل نراه مؤمنا
بحافز التغيير والانقلاب متحفا بالأمل ومتوهجا بنبض الحياة كما في العديد من قصائده يستنبط الأمور بتلقائية يركز على العادي واليومي مدركا أن هذا الشعر هو الأقرب إلى قلوب الناس
إذ يحكي عنهم ولهم وهو بهذا يؤسس لشعرية خاصة تنبع من عمق وجهد وهو حين يكتب عن الأمور البسيطة إنما يكتب من اجل المناقشة ولفت النظر لأمور يجهلها من يبتغي جهلها,يكتب عن مسائل الحياة اليومية ليس بصفته مسئولا عن يوميات ما ،بل من باب المشاركة الوجدانية التي تفرضها ثقافته ومواقفه المسبقة.
هناك حنين يتجدد وآمال تعانق مقلة الشاعر في زمن تغافله به الدموع في بلد المسافات حيث يعود إلى مرابعه: نحن إلى فطائر أمنا ونشيدها الآتي
على فرس البدايات وغايتها حياة صوب أعيننا سعادات النهايات
نعود إلى مواجعنا (ص36).
وفي قصيدة (من يحمل اكياسي) ص 37-38-39 يجسد الشاعر معناه
ويدخل معمعة التراكمات والهبوط باسلوب فني متوتر وحاشد بالمفاهيم
والقيم الثورية التغييرية, وارى إن هذه القصيدة من القصائد المهمة والرائعة في المجموعة
إذ تزدحم فيها الصور والمعاني والأفكار إضافة إلى أنها تشريح لظواهر
اجتماعية وسياسية بطريقة نقدية بين الدرامية والساخرة:
بين خروجي وصعودي
أتفكر كي أتذكر
أني مولود بين الجهل وبين العلم
وبالقرب من الثورة
يحصدها من لا يزرع (ص70).
تدعوني عيناك لأنساني
كيف سانساني
من يحمل أكياسي؟ (ص71).
ويواصل الشاعر, ويتواصل في صفاء النفس والروح والخاطرة متجليا بصوفية ممزوجة بتوجساته,
وهذه المرة متبعا أسلوب الشعر العمودي: في صفاء كالعيون الراضيات
مجد المحزون رب الكائنات
يا الهي أنت أدرى بالطريق
أنت أدرى بالذي بعد الحياة (ص2).
وبعد فهذه المجموعة الشعرية الرابعة لكاظم ابراهيم تتدفق بروح النقد
والتشاؤل,وقد أحسن شاعرنا إذ وجهها على شكل رسائل تحمل عبق الزمان والمكان, والانا والآخروالخاص والعام .تدخل النفوس والقلوب دون استئذان لما فيها من صدق يصل حد المعاش الآني, وهو ما يطمح إليه القارئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق